فصل: باب أسباب الحدث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



.كتاب الطهارة:

هِيَ شَامِلَةٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمِ الْآتِيَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَبَدَأَ بِبَيَانِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَتِهَا مُفْتَتِحًا بِآيَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلُوا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} أَيْ مُطَهِّرًا، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُطْلَق (يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الطَّهَارَةِ (مَاءٌ مُطْلَقٌ وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) وَإِنْ قُيِّدَ لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَاءِ الْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا لَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا كَمَاءِ الْوَرْدِ فَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} إلَخْ وَلَا الْمُنَجَّسَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ:«صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءُ. وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَالْمَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُطْلَقِ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ. فَلَوْ رَفَعَ مَائِعٌ غَيْرُهُ مَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَلَا التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ. وَيُشْتَرَطُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَيْضًا فِي غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا النَّجَسَ كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِيهِمَا.
(فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ) مُخَالِطٍ طَاهِرٍ (كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ) لِكَثْرَتِهِ (غَيْرُ طَهُورٍ) كَمَا أَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ إذْ مَا صَدَقُ الطَّهُورِ وَالْمُطْلَقِ وَاحِدٌ (وَلَا يَضُرُّ) فِي الطَّهَارَةِ (تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ) لِقِلَّتِهِ (وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) كَكِبْرِيتٍ وَزَرْنِيخٍ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَمَّا ذُكِرَ، فَلَا يَمْنَعُ التَّغَيُّرُ بِهِ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَشْبَهَ التَّغَيُّرُ بِهِ فِي الصُّورَةِ التَّغَيُّرَ الْكَثِيرَ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ. (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ) طَاهِرٍ (كَعُودٍ وَدُهْنٍ) مُطَيَّبَيْنِ أَوْ لَا (أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ فِي الْأَوَّلِ تَرَوُّحًا وَفِي الثَّانِي كُدُورَةً لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يَضُرُّ كَالْمُتَغَيِّرِ بِنَجَسٍ مُجَاوِرٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِزَعْفَرَانٍ فِي الثَّانِي، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَسِ وَبِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، بِخِلَافِ الزَّعْفَرَانِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ، أَمَّا الْمُتَغَيِّرُ بِتُرَابٍ تَهُبُّ بِهِ الرِّيحُ فَلَا يَضُرُّ جَزْمًا وَضُبِطَ الْمُجَاوِرُ بِمَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ وَالْمُخَالِطُ بِمَا لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ
(وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ) أَيْ مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ فِي الْبَدَنِ خَوْفَ الْبَرَصِ بِأَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ حَارٍّ كَالْحِجَازِ فِي إنَاءٍ مُنْطَبِعٍ كَالْحَدِيدِ لِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ، فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ، فَتَحْبِسَ الدَّمَ، فَيَحْصُلَ الْبَرَصُ، بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ، فَلَا يُكْرَهُ، لِذَهَابِ الزُّهُومَةِ بِهَا
(وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ) عَنْ الْحَدَثِ كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى فِيهِ (قِيلَ وَنَفْلِهَا) كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ وَالْغَسْلُ الْمَسْنُونُ (غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ فِي أَسْفَارِهِمْ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ لِيَتَطَهَّرُوا بِهِ، بَلْ عَدَلُوا عَنْهُ إلَى التَّيَمُّمِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ طَهُورٌ لِوَصْفِ الْمَاءِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِلَفْظِ طَهُورٍ الْمُقْتَضِي تَكَرُّرَ الطَّهَارَةِ بِهِ، كَضَرُوبٍ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الضَّرْبُ. وَأُجِيبُ بِتَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ بِهِ فِيمَا يَتَرَدَّدُ عَلَى الْمَحَلِّ دُونَ الْمُنْفَصِلِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْجَدِيدِ طَهُورٌ، وَشَمِلَتْ الْعِبَارَةُ مَا اغْتَسَلَتْ بِهِ الذِّمِّيَّةُ لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ فَهُوَ عَلَى الْجَدِيدِ غَيْرُ طَهُورٍ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَانِعَ وَقِيلَ إنَّهُ طَهُورٌ لِأَنَّ غُسْلَهَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَمَا تَوَضَّأَ بِهِ الصَّبِيُّ فَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ طَهُورٍ إذْ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ بِتَرْكِهِ أَمْ لَا وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصَّبِيِّ مَثَلًا مِنْ وُضُوئِهِ، وَسَيَأْتِي الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ فِي بَابِهَا
(فَإِنْ جَمَعَ) الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى الْجَدِيدِ (فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ جَمَعَ النَّجِسَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ، وَالثَّانِي لَا. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْجَمْعِ مَعَ وَصْفِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ النَّجِسِ (وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ نَجَسٍ) لِحَدِيثِ«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ«فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:«لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ. (فَإِنْ غَيَّرَهُ) أَيْ الْمَاءُ الْقُلَّتَيْنِ (فَنَجَسٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ«الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» (فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ شَيْءٍ إلَيْهِ كَأَنْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ (أَوْ بِمَاءٍ) انْضَمَّ إلَيْهِ (طَهُرَ) كَمَا كَانَ الزَّوَالُ سَبَبَ النَّجَاسَةِ (أَوْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ) وَخَلٍّ أَيْ لَمْ تُوجَدْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمِسْكِ، وَلَا لَوْنُهَا بِالزَّعْفَرَانِ، وَلَا طَعْمُهَا بِالْخَلِّ. (فَلَا) يَطْهُرُ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ أَوْ اسْتَتَرَ بَلْ الظَّاهِرُ الِاسْتِتَارُ. (وَكَذَا تُرَابٌ وَجِصٌّ) أَيْ جِبْسٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِلشَّكِّ الْمَذْكُورِ. وَالثَّانِي يَطْهُرُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَسْتَتِرُ التَّغَيُّرُ وَدُفِعَ أَنَّهُ يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَالْكُدُورَةُ مِنْ أَسْبَابِ السِّتْرِ فَإِنْ صَفَا الْمَاءُ وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ طَهُرَ جَزْمًا. (وَدُونَهُمَا) أَيْ وَالْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ السَّابِقِ الْمُخَصِّصِ لِمَنْطُوقِ حَدِيثِ«الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» السَّابِقِ. نَعَمْ إنْ وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي بَابِهَا. (فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ فَطَهُورٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَلَوْ كُوثِرَ بِإِيرَادِ طَهُورٍ) أَيْ أُورِدَ عَلَيْهِ طَهُورٌ أَكْثَرُ مِنْهُ (فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا لَمْ يَطْهُرْ وَقِيلَ): هُوَ (طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ) لِأَنَّهُ مَغْسُولٌ كَالثَّوْبِ وَقِيلَ: هُوَ طَهُورٌ حَكَاهُ فِي التَّحْقِيقِ رَدًّا بِغُسْلِهِ إلَى أَصْلِهِ. وَالْكَلَامُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ. وَلَوْ انْتَفَى الْإِيرَادُ أَوْ الطَّهُورِيَّةُ أَوْ الْأَكْثَرِيَّةُ فَهُوَ عَلَى نَجَاسَتِهِ جَزْمًا. وَلَا هُنَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرِ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِ، وَهِيَ مَعَهُ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهَا.
(وَيُسْتَثْنَى) مِنْ النَّجَسِ (مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ) عِنْدَ شَقِّ عُضْوٍ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا كَالزُّنْبُورِ وَالْخُنْفُسَاءِ (فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا) بِمَوْتِهَا فِيهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا إلَّا أَنْ تُغَيِّرَهُ بِكَثْرَتِهَا وَالثَّانِي تُنَجِّسُهُ كَغَيْرِهَا، وَلَوْ مَاتَتْ فِيمَا نَشَأَتْ مِنْهُ كَالْعَلَقِ وَدُودِ الْخَلِّ لَمْ تُنَجِّسْهُ جَزْمًا، وَلَوْ طُرِحَتْ فِي الْمَائِعِ بَعْدَ مَوْتِهَا نَجَّسَتْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: فِيمَا نَشْؤُهُ فِي الْمَاءِ، لَوْ طُرِحَ فِيهِ مِنْ خَارِجٍ عَادَ الْخِلَافُ أَيْ بِمَوْتِهِ فِيهِ. (وَكَذَا فِي كُلِّ نَجَسٍ لَا يُدْرِكُهُ طَرَفٌ) أَيْ بَصَرٌ لِقِلَّتِهِ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ، وَمَا يَعْلَقُ بِرِجْلِ الذُّبَابِ مِنْ نَجَسٍ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مَائِعًا لِمَا ذُكِرَ. (قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ التَّنَجُّسُ كَغَيْرِهِ وَالثَّوْبُ وَالْبَدَنُ كَالْمَائِعِ فِي ذَلِكَ.
(وَالْجَارِي كَرَاكِدٍ) فِي تَنَجُّسِهِ بِالْمُلَاقَاةِ. (وَفِي الْقَدِيمِ: لَا يَنْجُسُ بِلَا تَغَيُّرٍ) لِقُوَّتِهِ فَالْجِرْيَةُ الَّتِي لَاقَاهَا النَّجَسُ وَهِيَ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الدَّفْعَةُ بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهَرِ فِي الْعَرْضِ عَلَى الْجَدِيدِ، تَنْجُسُ، وَإِنْ كَانَ مَاءُ النَّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَلَا يَنْجُسُ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ مَاءُ النَّهْرِ دُونَ قُلَّتَيْنِ لِأَنَّ الْجِرْيَاتِ وَإِنْ تَوَاصَلَتْ حِسًّا مُتَفَاصِلَةً حُكْمًا إذْ كُلُّ جَرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا أَمَامَهَا هَارِبَةٌ مِمَّا وَرَاءَهَا (وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بَغْدَادِيٍّ) أَخْذًا مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَالْوَاحِدَةُ مِنْهَا قَدَّرَهَا الشَّافِعِيُّ أَخْذًا مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الرَّائِيِّ لَهَا بِقِرْبَتَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ، وَوَاحِدَتُهَا لَا تَزِيدُ غَالِبًا عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ، وَسَيَأْتِي فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ أَنَّهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِلَا أَسْبَاعٍ، أَوْ وَثَلَاثُونَ. وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ (تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ) قَدَّمَ تَقْرِيبًا عَكَسَ الْمُحَرَّرِ لِيَشْمَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ التَّصْحِيحُ، وَالْمُقَابِلُ فِيمَا قَبْلَهُ مَا قِيلَ: الْقُلَّتَانِ أَلْفُ رَطْلٍ لِأَنَّ الْقِرْبَةَ قَدْ تَسَعُ مِائَتَيْ رَطْلٍ، وَقِيلَ: هُمَا سِتُّمِائَةِ رَطْلٍ لِأَنَّ الْقُلَّةَ مَا يُقِلُّهُ الْبَعِيرُ أَيْ يَحْمِلُهُ، وَبَعِيرُ الْعَرَبِ لَا يَحْمِلُ غَالِبًا أَكْثَرَ مِنْ وَسْقٍ وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ رَطْلًا يُحَطُّ عِشْرُونَ لِلظَّرْفِ وَالْحَبْلِ وَالْعَدَدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ قِيلَ تَحْدِيدٌ فَيَضُرُّ أَيُّ شَيْءٍ نَقَصَ وَعَلَى التَّقْرِيبِ، الْأَصَحُّ لَا يَضُرُّ فِي الْخَمْسِمِائَةِ نَقْصُ رَطْلَيْنِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ، وَالْمِسَاحَةُ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَرُبُعٍ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا. (وَالتَّغَيُّرُ الْمُؤَثِّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجَسٍ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ كَافٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُؤَثِّرِ فِي النَّجَسِ عَنْ التَّغَيُّرِ بِجِيفَةٍ عَلَى الشَّطِّ (وَلَوْ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ) كَأَنْ وَلَغَ كَلْبٌ فِي أَحَدِ الْمَاءَيْنِ وَاشْتَبَهَ (اجْتَهَدَ) الْمُشْتَبَهُ عَلَيْهِ فِيهِمَا بِأَنْ يَبْحَثَ عَمَّا يُبَيِّنُ النَّجِسَ، كَرَشَّاشٍ حَوْلَ إنَائِهِ أَوْ قُرْبِ الْكَلْبِ مِنْهُ (وَتَطْهُرُ بِمَا ظَنَّ) بِالِاجْتِهَادِ (طَهَارَتَهُ) مِنْهُمَا (وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ فَلَا) يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا فَقَوْلُهُ: اجْتَهَدَ أَيْ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ) فِيمَا ذُكِرَ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ يُدْرِكُ أَمَارَةَ النَّجِسِ بِاللَّمْسِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي لَا يَجْتَهِدُ لِفَقْدِ الْبَصَرِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الِاجْتِهَادِ بَلْ يُقَلِّدُ. (أَوْ) اشْتَبَهَ (مَاءٌ وَبَوْلٌ) بِأَنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (لَمْ يَجْتَهِدْ) فِيهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي يَجْتَهِدُ كَالْمَاءَيْنِ. وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ يُرَدُّ بِالِاجْتِهَادِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ. (بَلْ يُخْلَطَانِ) أَوْ يُرَاقَانِ (ثُمَّ يَتَيَمَّمُ) وَيُصَلِّي بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى قَبْلَ الْخَلْطِ أَوْ نَحْوِهِ فَيُعِيدُ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا بِيَقِينٍ، وَقِيلَ: لَا لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ. وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا اجْتَهَدَ فِي الْمَاءَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الطَّاهِرُ. وَلِلْأَعْمَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّقْلِيدُ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْبَصِيرِ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ وَجَدَهُ فَتَحَيَّرَ تَيَمَّمَ، وَقَوْلُهُ: بَلْ يُخْلَطَانِ بِنُونِ الرَّفْعِ كَمَا فِي خَطِّهِ اسْتِئْنَافًا، أَوْ عَطْفًا عَلَى لَمْ يَجْتَهِدْ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ إنَّ بَلْ تَعْطِفُ الْجُمَلَ وَهِيَ هُنَا، وَفِيمَا بَعْدُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ (أَوْ) مَاءٌ (وَمَاءُ وَرْدٍ) بِأَنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (تَوَضَّأَ بِكُلٍّ) مِنْهُمَا (مَرَّةً) وَلَا يَجْتَهِدُ فِيهِمَا (وَقِيلَ: لَهُ الِاجْتِهَادُ) فِيهِمَا كَالْمَاءَيْنِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَوْلِ.
(وَإِذَا اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ) الطَّاهِرَ مِنْ الْمَاءَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ (أَرَاقَ الْآخَرَ) نَدْبًا لِئَلَّا يَتَشَوَّشَ بِتَغَيُّرِ ظَنِّهِ فِيهِ (فَإِنْ تَرَكَهُ) بِلَا إرَاقَةٍ (وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ) فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ بِأَمَارَةٍ ظَهَرَتْ لَهُ، وَاحْتَاجَ إلَى الطَّهَارَةِ (لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي) مِنْ ظَنَّيْهِ فِيهِ (عَلَى النَّصِّ) لِئَلَّا يُنْتَقَضَ ظَنٌّ بِظَنٍّ (بَلْ يَتَيَمَّمُ) وَيُصَلِّي (بِلَا إعَادَةٍ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَيْسَ مَعَهُ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ. وَالثَّانِي يُعِيدُ لِأَنَّ مَعَهُ طَاهِرًا بِالظَّنِّ فَإِنْ أَرَاقَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ جَزْمًا. وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ النَّصِّ فِي تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ الْعَمَلَ بِالثَّانِي، فَيُورِدُ الْمَاءَ مَوَارِدَ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ، وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ كَمَا لَا يُعِيدُ الْأَوَّلُ، وَهَلْ تَكْفِي عِنْدَهُ الْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ ؟ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: نَعَمْ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَالَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ الْمُوَافِقِ لِلرَّاجِحِ عِنْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ. وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ فَفِيهِ النَّصُّ وَالتَّخْرِيجُ، لَكِنْ يُعِيدُ عَلَى النَّصِّ مَا صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ مَعَهُ طَاهِرًا بِيَقِينٍ، وَقِيلَ: لَا لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ أَرَاقَهُمَا أَوْ خَلَطَهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ جَزْمًا، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ لِمَا ظَنَّهُ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ بَاقِيًا عَلَى طَهَارَتِهِ بِمَا ظَنَّهُ صَلَّى بِهَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَوْ مُحْدِثًا، وَقَدْ بَقِيَ مِمَّا تَطَهَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ لَزِمَهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.
(وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ) أَيْ الْمَاءِ (مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ) كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (وَبَيَّنَ السَّبَبَ) فِي تَنَجُّسِهِ كَوُلُوغِ كَلْبٍ (أَوْ كَانَ فَقِيهًا) فِي بَابِ تَنَجُّسِ الْمَاءِ (مُوَافِقًا) لِلْمُخْبِرِ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ (اعْتَمَدَهُ) مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِلسَّبَبِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْفَقِيهِ أَوْ الْفَقِيهِ الْمُخَالِفِ، فَلَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ السَّبَبِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْبِرَ بِتَنَجُّسِ مَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عِنْدَ الْمُخْبَرِ.
(وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ) فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ النَّجِسِ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَمَائِعٍ لِتُنَجِّسْهُمَا بِهِ. (إلَّا ذَهَبًا وَفِضَّةً) أَيْ إنَاءَهُمَا (فَيَحْرُمُ) اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (اتِّخَاذُهُ) أَيْ اقْتِنَاؤُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ. وَالثَّانِي لَا اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّهْيِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ. (وَيَحِلُّ) الْإِنَاءُ (الْمُمَوَّهُ) أَيْ الْمَطْلِيُّ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَيْ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِقِلَّةِ الْمُمَوَّهِ بِهِ فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَلَوْ كَثُرَ الْمُمَوَّهُ بِهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَرُمَ جَزْمًا. (وَ) يَحِلُّ الْإِنَاءُ (النَّفِيسُ) مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (كَيَاقُوتٍ) أَيْ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ (فِي الْأَظْهَرِ). وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَدُفِعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ وَعَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَحْرُمُ الِاتِّخَاذُ فِي الْأَصَحِّ أَخْذًا مِمَّا سَبَقَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الثَّانِيَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَمَا ضُبِّبَ) مِنْ إنَاءٍ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً لِزِينَةٍ حَرُمَ) اسْتِعْمَالُهُ (أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا) يَحْرُمُ (أَوْ صَغِيرَةً لِزِينَةٍ أَوْ كَبِيرَةً لِحَاجَةٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِلصِّغَرِ وَلِلْحَاجَةِ وَمُقَابِلُهُ يُنْظَرُ إلَى الزِّينَةِ وَالْكِبَرِ (وَضَبَّةُ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ) نَحْوَ الشُّرْبِ (كَغَيْرِهِ) فِيمَا ذُكِرَ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَحْرُمُ إنَاؤُهَا مُطْلَقًا لِمُبَاشَرَتِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ (قُلْت: الْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ) إنَاءِ (ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ فِيهِ الْخُيَلَاءَ مِنْ الْفِضَّةِ أَشَدُّ. وَأَصْلُ ضَبَّةِ الْإِنَاءِ مَا يُصْلِحُ بِهِ خَلَلَهُ مِنْ صَفِيحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِطْلَاقُهَا عَلَى مَا هُوَ لِلزِّينَةِ تَوَسُّعٌ، وَمَرْجِعُ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْعُرْفُ، وَقِيلَ: وَهُوَ أَشْهَرُ: الْكَبِيرَةُ مَا تَسْتَوْعِبُ جَانِبًا مِنْ الْإِنَاءِ كَشَفَةٍ أَوْ أُذُنٍ، وَالصَّغِيرَةُ دُونَ ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رُوِيَ أَنَّ«قَدَحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ كَانَ مُسَلْسَلًا بِفِضَّةٍ» لِانْصِدَاعِهِ أَيْ مُشَعَّبًا بِخَيْطِ فِضَّةٍ لِانْشِقَاقِهِ وَتَوَسَّعَ الْمُصَنِّفُ فِي نَصْبِ الضَّبَّةِ بِفِعْلِهَا نَصْبَ الْمَصْدَرِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ كَانَ ضَبَّتُهُ كَبِيرَةً إلَى آخِرِهِ.

. باب أسباب الحدث:

أَيْ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْأَصْغَرُ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِنَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (هِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (أَوْ دُبُرِهِ) قَالَ تَعَالَى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ}: وَالْغَائِطُ: الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ، سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجُ لِلْمُجَاوَرَةِ. وَسَوَاءٌ فِي النَّقْضِ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ كَالْبَوْلِ وَالنَّادِرُ كَالدَّمِ. (إلَّا الْمَنِيَّ) فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَأَنْ احْتَلَمَ النَّائِمُ قَاعِدًا عَلَى وُضُوءٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ الْأَعَمَّ مِنْ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا نَقَضَ الْحَيْضُ مَعَ إيجَابِهِ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِبَقَاءِ الْوُضُوءِ مَعَهُ. (وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ) مَخْرَجٌ (تَحْتَ مَعِدَتِهِ) وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الْمُنْخَسِفِ تَحْتَ الصَّدْرِ أَيْ انْفَتَحَ تَحْتَ السُّرَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (فَخَرَجَ) مِنْهُ (الْمُعْتَادُ نُقِضَ، وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُنْسَدِّ فِي الْمُعْتَادِ ضَرُورَةً، فَكَذَا فِي النَّادِرِ. وَالثَّانِي يَقُولُ: لَا ضَرُورَةَ فِي قِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي النَّادِرِ فَلَا يَنْقُضُ (أَوْ) انْفَتَحَ (فَوْقَهَا) أَيْ فَوْقَ الْمَعِدَةِ بِأَنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا، كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَصْلِيُّ (مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا) يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْمُعْتَادُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ مِنْ فَوْقِهَا بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ إذْ مَا تُحِيلُهُ الطَّبِيعَةُ تَدْفَعُهُ إلَى أَسْفَلَ وَمِنْ تَحْتِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَى مَخْرَجِهِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّ الْخُرُوجِ تَحَوَّلَ مَخْرَجُهُ إلَى مَا ذُكِرَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَنْقُضُ النَّادِرُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ انْفَتَحَ فَوْقَهَا وَالْأَصْلِيُّ مُنْفَتِحٌ فَلَا نَقْضَ كَالْقَيْءِ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَحَيْثُ قِيلَ بِالنَّقْضِ فِي الْمُنْفَتِحِ فَقِيلَ لَهُ حُكْمُ الْأَصْلِيِّ مِنْ إجْزَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ فِيهِ بِالْحَجَرِ، وَإِيجَابِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ، وَالْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ، وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَوْقَ الْعَوْرَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ وَخُرُوجِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ عَنْ الْقِيَاسِ، فَلَا يَتَعَدَّى الْأَصْلِيُّ، أَمَّا الْأَصْلِيُّ فَأَحْكَامُهُ بَاقِيَةٌ. وَلَوْ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مَسْدُودَ الْأَصْلِيِّ فَمُنْفَتِحُهُ كَالْأَصْلِيِّ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ كَانَ أَوْ فَوْقَهَا. وَالْمَسْدُودُ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا يَجِبُ بِمَسِّهِ وُضُوءٌ وَلَا بِإِيلَاجِهِ أَوْ الْإِيلَاجُ فِيهِ غُسْلٌ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ (الثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ) أَيْ التَّمْيِيزِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ«الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ، كَمَا أَشْعَرَ بِهَا الْحَدِيثُ إذْ السَّهُ الدُّبُرُ، وَوِكَاؤُهُ حِفَاظُهُ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَالْعَيْنَانِ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَقِظَةِ. (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنِ مَقْعَدِهِ) أَيْ أَلْيَتَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ فَلَا يَنْقُضُ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ فِيهِ مِنْ دُبُرِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ لِنُدْرَتِهِ وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَلَا لِمَنْ نَامَ قَاعِدًا وَهُوَ هَزِيلٌ بَيْنَ بَعْضِ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ. (الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى{أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَالْمَعْنَى فِي النَّقْضِ بِهِ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلِالْتِذَاذِ الْمُثِيرِ لِلشَّهْوَةِ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي صُوَرِ الِالْتِقَاءِ، فَأُلْحِقَ بِهِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ اللَّمْسُ تَوَسُّعًا (إلَّا مَحْرَمًا) فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِعُمُومِ النِّسَاءِ فِي الْآيَةِ، وَالْأَوَّلُ اسْتَنْبَطَ مِنْهَا مَعْنًى خَصَّصَهَا، وَالْمَحْرَمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. (وَالْمَلْمُوسُ) وَهُوَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً (كَلَامِسٍ) فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرَكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ، وَالثَّانِي لَا يَنْقُضُ وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى اللَّامِسِ. (وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ) أَيْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدًّا تُشْتَهَى، (وَشَعْرٌ وَسِنٌّ وَظُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى فِي لَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّ أَوَّلَهَا لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ وَبَاقِيَهَا لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَإِنْ الْتَذَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ فِي عُمُومِهَا لِلصَّغِيرَةِ وَلِلْأَجْزَاءِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ صَغِيرًا لَا يُشْتَهَى؛ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الدَّارِمِيِّ، وَلَا نَقْضَ بِالْتِقَاءِ بَشَرَتَيْ الرَّجُلَيْنِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالْخُنْثَيَيْنِ، وَالْخُنْثَى وَالرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ. (الرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (بِبَطْنِ الْكَفِّ) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا«مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْمُرَادُ الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ«إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ. وَمَسُّ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِهِ أَفْحَشُ مِنْ مَسِّهِ مِنْ نَفْسِهِ لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى النَّقْضُ إلَيْهِ، وَقِيلَ فِيهِ خِلَافُ الْمَلْمُوسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ: وَقُبُلُ الْمَرْأَةِ النَّاقِضُ مَسُّهُ مُلْتَقَى شُفْرَيْهَا، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ: فَإِنْ مَسَّتْ مَا وَرَاءَ الشُّفْرَيْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ بِلَا خِلَافٍ. (وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ) أَيْ الْآدَمِيِّ قِيَاسًا عَلَى قُبُلِهِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَالْقَدِيمُ لَا نَقْضَ بِمَسِّهَا وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقُبُلِ. وَعَبَّرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالدُّبُرِ وَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ. أَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى. وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ (لَا فَرْجُ بَهِيمَةٍ) أَيْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ فِي الْجَدِيدِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا فِي ذَلِكَ، وَالْقَدِيمُ، وَحَكَاهُ جَمْعٌ جَدِيدًا أَنَّهُ يَنْقُضُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ حَكَى الْخِلَافَ فِي قُبُلِهَا وَقَطَعَ فِي دُبُرِهَا بِعَدَمِ النَّقْضِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ الْقُبُلَ (وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ وَمَحَلُّ الْجَبِّ وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَحَلَّ الْجَبِّ فِي مَعْنَى الذَّكَرِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ وَلِشُمُولِ الِاسْمِ فِي غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ، وَالثَّانِي لَا تَنْقُضُ الْمَذْكُورَاتُ لِانْتِفَاءِ الذَّكَرِ فِي مَحَلِّ الْجَبِّ وَلِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِهِ (وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا) وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ لِخُرُوجِهَا عَنْ صَمْتِ الْكَفِّ، وَقِيلَ: تَنْقُضُ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ بَشَرَةِ بَاطِنِ الْكَفِّ.
(وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ الصَّلَاةُ) إجْمَاعًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ (وَالطَّوَافُ). قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، (وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ وَمَسُّ وَرَقِهِ) قَالَ تَعَالَى:{لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ} هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ وَالْمُطَهَّرُ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ. وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ لِأَنَّهُ وِعَاءٌ لَهُ كَكِيسِهِ (وَخَرِيطَةٌ وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الْأَصَحِّ) لِشَبَهِ الْأَوَّلَيْنِ الْمُعَدَّيْنِ لِلْمُصْحَفِ بِالْجِلْدِ، وَالثَّالِثِ بِالْمُصْحَفِ وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ مَسُّهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ كَالْوِعَاءِ لِلْمُصْحَفِ، وَالثَّالِثَ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَحَمْلُ الثَّالِثِ كَمَسِّهِ وَمَسُّ الْأَوَّلَيْنِ وَحَمْلُهُمَا وَلَا مُصْحَفَ فِيهِمَا جَائِزٌ (وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ) تَبَعًا لَهَا (وَ) فِي (تَفْسِيرٍ وَدَنَانِيرَ) كَالْأَحْذِيَةِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ دُونَهُ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّعْظِيمِ، وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّفْسِيرِ حَرُمَ قَطْعًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَالْمَسُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ كَالْحَمْلِ (لَا قَلْبُ وَرَقِهِ بِعُودٍ) فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ، لِانْتِقَالِ الْوَرَقِ بِفِعْلِ الْقَالِبِ مِنْ جَانِبٍ إلَى آخِرِهِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ) مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ وَحَمْلِهِمَا لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ مِنْهُمَا وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَالثَّانِي عَلَى الْوَلِيِّ وَالْمُعَلِّمِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ (قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ. وَلَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَبَ بِهِ حَرُمَ قَطْعًا، وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ.
(وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ) هَلْ طَرَأَ عَلَيْهِ (عَمِلَ بِيَقِينِهِ) اسْتِصْحَابًا لِلْيَقِينِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ«إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدُ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ كَمَا. قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، فَمَنْ ظَنَّ الضِّدَّ لَا يَعْمَلُ بِظَنِّهِ لِأَنَّ ظَنَّ اسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَقْوَى مِنْهُ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ (فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ الطُّهْرَ وَالْحَدَثَ بِأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَثَلًا (وَجَهِلَ السَّابِقَ) مِنْهُمَا (فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا) يَأْخُذُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا. وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَأَخُّرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَأَخُّرِهَا إنْ كَانَ يَعْتَادُ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ تَجْدِيدَهَا فَالظَّاهِرُ تَأَخُّرُهَا عَنْ الْحَدَثِ فَيَكُونُ الْآنَ مُتَطَهِّرًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا قَبْلَهُمَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَهُمَا وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ احْتِيَاطًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا.